التّعريف :
1 - التّبرّك لغةً : طلب البركة ، والبركة هي : النّماء والزّيادة ، والتّبريك : الدّعاء للإنسان بالبركة . وبارك اللّه الشّيء وبارك فيه وعليه : وضع فيه البركة ، وفي التّنزيل : { وهذا كتابٌ أَنزلْناه مبارَك } وتبرّكت به تيمّنت به . قال الرّاغب الأصفهانيّ : البركة ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء . قال تعالى : { ولو أنَّ أهلَ القرى آمنوا واتَّقَوْا لَفَتَحْنا عليهم بركاتٍ من السّماء والأرض } { وهذا ذِكْر مبارك أنزلناه } تنبيهاً على ما يفيض به من الخيرات الإلهيّة .
وعلى هذا فالمعنى الاصطلاحيّ للتّبرّك هو : طلب ثبوت الخير الإلهيّ في الشّيء .
الألفاظ ذات الصّلة :
أ - التّوسّل :
2 - التّوسّل لغةً : التّقرّب . يقال : توسّل العبد إلى ربّه بوسيلة إذا تقرّب إليه بعمل .
وفي التّنزيل : { وابْتَغُوا إليه الوسيلةَ } .
ب - الشّفاعة :
3 - الشّفاعة : لغةً من مادّة شفع ، ويقال : استشفعت به : طلبت منه الشّفاعة . وقال الرّاغب الأصفهانيّ : الشّفاعة الانضمام إلى آخر ناصراً له وسائلاً عنه ، وشفّع وتشفّع : طلب الشّفاعة ، والشّفاعة : كلام الشّفيع للملك في حاجة يسألها لغيره ، والشّافع : الطّالب لغيره ، وشفع إليه في معنى : طلب إليه قضاء حاجة المشفوع له .
وفي الاصطلاح : الضّراعة والسّؤال في التّجاوز عن ذنوب المشفوع له أو قضاء حاجته .
ج - الاستغاثة :
4 - الاستغاثة لغةً : طلب الغوث ، وفي التّنزيل : { إذْ تستغيثون ربَّكم } وأغاثه إغاثةً : إذا أعانة ونصره ، فهو مغيث ، وأغاثهم اللّه برحمته : كشف شدّتهم .
الحكم التّكليفيّ :
التّبرّك مشروع في الجملة على التّفصيل التّالي :
- 1 - التّبرّك بالبسملة والحَمْدَلَة :
5 - ذهب بعض أهل العلم إلى سنّيّة ابتداء كلّ أمر ذي بال يهتمّ به شرعاً - بحيث لا يكون محرّماً لذاته ، ولا مكروهاً لذاته ، ولا من سفاسف الأمور ومحقّراتها - بالبسملة والحمدلة ، كلّ في موضعه على سبيل التّبرّك .
وجرى العلماء في افتتاح كلماتهم وخطبهم ومؤلّفاتهم وكلّ أعمالهم المهمّة بالبسملة عملاً بما روي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم : « كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم اللّه فهو أبتر أو أقطع أو أجذم » وفي رواية أخرى : « كلّ أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد للّه فهو أبتر أو أقطع أو أجذم » ومن هذا الباب الإتيان بالبسملة عند الأكل ، والشّرب ، والجماع ، والاغتسال ، والوضوء ، والتّلاوة ، والتّيمّم ، والرّكوب والنّزول وما إلى ذلك .
- 2 - التّبرّك بآثار النّبيّ صلى الله عليه وسلم :
6 - اتّفق العلماء على مشروعيّة التّبرّك بآثار النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأورد علماء السّيرة والشّمائل والحديث أخباراً كثيرةً تمثّل تبرّك الصّحابة الكرام رضي الله عنهم بأنواع متعدّدة من آثاره صلى الله عليه وسلم نجملها فيما يأتي :
أ - في وضوئه :
7 - « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم إذا توضّأ كادوا يقتتلون على وضوئه » ، لفرط حرصهم على التّبرّك بما مسّه صلى الله عليه وسلم ببدنه الشّريف ، وكان من لم يصب من وضوئه يأخذ من بلل يد صاحبه .
ب - في ريقه ونخامته :
8 - « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم لا يبصق بصاقاً ولا يتنخّم نخامةً إلاّ تلقّوها ، وأخذوها من الهواء ، ووقعت في كفّ رجل منهم ، فدلكوا بها وجوههم وأجسادهم ، ومسحوا بها جلودهم وأعضاءهم تبرّكاً بها » . « وكان يتفل في أفواه الأطفال ، ويمجّ ريقه في الأيادي ، وكان يمضغ الطّعام فيمجّه في فم الشّخص » ، « وكان الصّحابة يأتون بأطفالهم ليحنّكهم النّبيّ صلى الله عليه وسلم رجاء البركة » .
ج - في دمه صلى الله عليه وسلم :
9 - ثبت أنّ بعض الصّحابة شربوا دمه صلى الله عليه وسلم على سبيل التّبرّك ، فعن عبد اللّه بن الزّبير رضي الله عنه « أنّه أتى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يحتجم ، فلمّا فرغ قال : يا عبد اللّه اذهب بهذا الدّم فأهرقه حيث لا يراك أحد فشربه ، فلمّا رجع ، قال : يا عبد اللّه ما صنعت ؟ قال : جعلته في أخفى مكان علمت أنّه مخفيّ عن النّاس ، قال : لعلّك شربته ؟ قلت : نعم . قال : ويل للنّاس منك ، وويل لك من النّاس » فكانوا يرون أنّ القوّة الّتي به من ذلك الدّم . وفي رواية « أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال له : من خالط دمه دمي لم تمسّه النّار » .
د - في شعره صلى الله عليه وسلم :
10 - « كان النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوزّع شعره بين الصّحابة عندما يحلق رأسه الشّريف » ، وكان الصّحابة رضي الله عنهم يحرصون على أن يحصّلوا شيئاً من شعره صلى الله عليه وسلم ويحافظون على ما يصل إلى أيديهم منه للتّبرّك به . فعن أنس رضي الله عنه « أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أتى منًى فأتى الجمرة فرماها ثمّ أتى منزله بمنًى ونحر ، ثمّ قال : للحلّاق : خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثمّ الأيسر ، ثمّ جعل يعطيه النّاس » .
وفي رواية : « لمّا رمى الجمرة ونحر نسكه وحلق ناول الحلّاق شقّه الأيمن ، فحلقه ، ثمّ دعا أبا طلحة الأنصاريّ رضي الله عنه فأعطاه إيّاه ، ثمّ ناوله الشّقّ الأيسر فقال : احلق ، فحلقه ، فأعطاه أبا طلحة ، فقال : اقسمه بين النّاس » . وفي رواية : « فبدأ بالشّقّ الأيمن فوزّعه الشّعرة والشّعرتين بين النّاس ، ثمّ قال بالأيسر فصنع به مثل ذلك » .
وروي « أنّ خالد بن الوليد رضي الله عنه : فقد قلنسوةً له يوم اليرموك ، فطلبها حتّى وجدها ، وقال : اعتمر رسول اللّه فحلق رأسه فابتدر النّاس جوانب شعره فسبقتهم إلى ناصيته فجعلتها في هذه القلنسوة ، فلم أشهد قتالاً وهي معي إلاّ رزقت النّصر » .
وعن أنس رضي الله عنه قال : « لقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والحلّاق يحلقه وأطاف به أصحابه ، فما يريدون أن تقع شعرة إلاّ في يد رجل » .
هـ - في سؤره وطعامه صلى الله عليه وسلم :
11 - ثبت أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يتنافسون في سؤره صلى الله عليه وسلم ليحوز كلّ واحد منهم البركة الّتي حلّت في الطّعام أو الشّراب من قبل الرّسول صلى الله عليه وسلم . فعن سهل بن سعد رضي الله عنه : « أنّ رسول اللّه أتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام ، وعن يساره الأشياخ فقال للغلام : أتأذن لي أن أعطي هؤلاء ؟ فقال الغلام : - وهو ابن عبّاس رضي الله عنهما - : واللّه يا رسول اللّه لا أوثر بنصيبي منك أحداً ، فتلّه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في يده » .
وعن عميرة بنت مسعود رضي الله عنها : « أنّها دخلت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم هي وأخواتها يبايعنه ، وهنّ خمس ، فوجدته يأكل قديده ، فمضغ لهنّ قديدةً ، ثمّ ناولني القديدة ، فمضغتها كلّ واحدة قطعةً قطعةً ، فلقين اللّه وما وجد لأفواههنّ خلوف » . وفي حديث خنس بن عقيل : « سقاني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم شربةً من سويق شرب أوّلها وشربت آخرها ، فما برحت أجد شبعها إذا جعت ، وريّها إذا عطشت ، وبردها إذا ظمئت » .
و - في أظافره صلى الله عليه وسلم :
12 - ثبت أنّه صلى الله عليه وسلم قلّم أظافره ، وقسمها بين النّاس للتّبرّك بها ، فقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله ، من حديث محمّد بن زيد أنّ أباه حدّثه : « أنّه شهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم على المنحر ورجلاً من قريش ، وهو يقسم أضاحيّ ، فلم يصبه منها شيء ولا صاحبه ، فحلق رسول اللّه صلى الله عليه وسلم رأسه في ثوبه ، فأعطاه فقسم منه على رجال ، وقلّم أظافره فأعطاه صاحبه » . وفي رواية « ثمّ قلّم أظافره وقسمها بين النّاس » .
ز - في لباسه صلى الله عليه وسلم وأوانيه :
13 - ثبت كذلك أنّ الصّحابة رضي الله عنهم كانوا يحرصون على اقتناء ملابسه وأوانيه للتّبرّك بها والاستشفاء . فعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما : « أنّها أخرجت جبّةً طيالسةً وقالت : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يلبسها فنحن نغسلها للمرضى يستشفى بها » . وفي رواية : « فنحن نغسلها نستشفي بها » .
وروي عن أبي محمّد الباجيّ قال : « كانت عندنا قصعة من قصاع النّبيّ صلى الله عليه وسلم فكنّا نجعل فيها الماء للمرضى ، يستشفون بها ، فيشفون بها » .
ح - في ما لمسه صلى الله عليه وسلم ومصلّاه :
14 - كان الصّحابة رضي الله عنهم يتبرّكون فيما تلمس يده الشّريفة صلى الله عليه وسلم . ومن ذلك « بركة يده فيما لمسه وغرسه لسلمان رضي الله عنه حين كاتبه مواليه على ثلثمائة ودية وهو صغار النّخل يغرسها لهم كلّها ، تعلّق وتطعم ، وعلى أربعين أوقيّة من ذهب ، فقام صلى الله عليه وسلم وغرسها له بيده ، إلاّ واحدةً غرسها غيره ، فأخذت كلّها إلاّ تلك الواحدة ، فقلعها النّبيّ صلى الله عليه وسلم وردّها فأخذت » وفي رواية : « فأطعم النّخل من عامه إلاّ الواحدة ، فقلعها رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وغرسها فأطعمت من عامها ، وأعطاه مثل بيضة الدّجاجة من ذهب ، بعد أن أدارها على لسانه ، فوزن منها لمواليه أربعين أوقيّة ، وبقي عنده مثل ما أعطاهم » .
« ووضع يده الشّريفة صلى الله عليه وسلم على رأس حنظلة بن حذيم وبرّك عليه ، فكان حنظلة يؤتى بالرّجل قد ورم وجهه ، والشّاة قد ورم ضرعها ، فيوضع على موضع كفّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيذهب الورم » .
« وكان يؤتى إليه صلى الله عليه وسلم بالمرضى وأصحاب العاهات والمجانين فيمسح عليهم بيده الشّريفة صلى الله عليه وسلم فيزول ما بهم من مرض وجنون وعاهة » .
وكذلك كانوا يحرصون على أن يصلّي النّبيّ صلى الله عليه وسلم في مكان من بيوتهم ، ليتّخذوه مصلًّى لهم بعد ذلك ، وتحصل لهم بركة النّبيّ صلى الله عليه وسلم . فعن عتبان بن مالك رضي الله عنه - وهو ممّن شهد بدراً - قال : « كنت أصلّي لقومي بني سالم ، وكان يحول بيني وبينهم واد إذا جاءت الأمطار ، فيشقّ عليّ اجتيازه قبل مسجدهم ، فجئت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فقلت له : إنّي أنكرت بصري ، وإنّ الوادي الّذي بيني وبين قومي يسيل إذا جاءت الأمطار فيشقّ عليّ اجتيازه ، فوددت أنّك تأتي فتصلّي في بيتي مكاناً أتّخذه مصلًّى ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم : سأفعل إن شاء اللّه فغدا عليّ رسول اللّه وأبو بكر رضي الله عنه بعدما اشتدّ النّهار ، واستأذن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأذنت له ، فلم يجلس حتّى قال : أين تحبّ أن أصلّي من بيتك ؟ فأشرت له إلى المكان الّذي أحبّ أن يصلّي فيه ، فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فكبّر وصففنا وراءه فصلّى ركعتين ثمّ سلّم ، وسلّمنا حين سلّم » .
- 3 - التّبرّك بماء زمزم :
15 - ذهب العلماء إلى سنّيّة شرب ماء زمزم لمطلوبه في الدّنيا والآخرة ، لأنّها مباركة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : « ماء زمزم لما شرب له » .
- 4 - التّبرّك ببعض الأزمنة والأماكن في النّكاح :
16 - ذهب جمهور العلماء إلى استحباب مباشرة عقد النّكاح في المسجد ، وفي يوم الجمعة للتّبرّك بهما ، فقد قال الرّسول صلى الله عليه وسلم : « أعلنوا هذا النّكاح ، واجعلوه في المساجد ، واضربوا عليه بالدّفوف » .
انظر الموسوعة الفقهية الكويتية المجلد 10 مادة ( تبرك )
التبرك
Langganan:
Posting Komentar (Atom)
0 komentar:
Posting Komentar