الحديث الضعيف وفضائل الأعمال
س : سمعنا عن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فما هو الحديث الضعيف ؟ وما المقصود بفضائل الأعمال، وماذا نعني بالعمل به ؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه. وبعد، فقد اعتنى العلماء المسلمون بالسنة النبوية الشريفة اعتناء بالغًا، فقاموا بإنشاء علوم المصطلح، والرِّجال، وفقه الحديث أو فقه السنة.
وقد تحرَّى العلماء أعلى مستويات الدِّقَّة في نقل الأحاديث النبوية المشرَّفة، وقسَّموا ما وصل إلينا من أخبار وآثار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام أساسية هي : الحديث الصحيح، الحديث الحسن، الحديث الضعيف.
وجعلوا شروطًا وصفات للحديث المقبول [الصحيح والحسن]، وهي : اتصال السَّند، وعدالة الرواة، وضبطهم، وعدم الشُّذوذ، وعدم العِلَّة. فإن اجتمع للحديث أعلى درجات هذه الصفات، وأعلى درجات الضبط، فكان الضَّبط كاملا، كان الحديث صحيحًا. وإن اجتمع للحديث أدنى هذه الدرجات، وكان الضَّبط أقل، كان الحديث حسنًا. أما إذا اختلَّ أحد هذه الأوصاف كان الحديث ضعيفًا.
فالحديث الضعيف في الاصطلاح هو: كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن (1).
والمقرر شرعًا أن الحديث الضعيف لا يصلح أن يكون دليلا يُنْشِئ حكمًا شرعيًّا تكليفيًّا، سواء أكان هذا الحكم، الوجوب، أم الحرمة، أم الندب، أم الكراهة، أم الإباحة.
إلا أنه يوجد باب في الشرع يُسمَّى «بفضائل الأعمال» تكلَّم العلماء على جواز العمل فيه بالحديث الضعيف، فهل يُعَدُّ ذلك تناقضًا مع ما تقرر بعدم جواز استقلال الحديث الضعيف في إنشاء الحكم التكليفي ؟
يتَّضح الأمر ببيان المقصود بفضائل الأعمال، وما المقصود بالعمل بالحديث الضعيف فيها. المقصود بفضائل الأعمال :
فضائل الأعمال هي: ما رغَّب الشرع في عمله من فضائل كالذكر، والدعاء، والمندوبات، الموافقة لأصول الشريعة.
ونعني بتعلق الحديث الضعيف بهذا الباب، أن يرد هذا الحديث وفيه ذكر لفضل عمل، وثوابه من تلك الأعمال التي ثبتت أفضيلتها من قبل ورود ذلك الحديث الضعيف. المقصود بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال :
ويقصد بجواز العمل بهذا الحديث في الفضائل، هو جواز أداء هذا العمل رغبةً في الثَّواب الوارد في ذلك الحديث الضعيف؛ طمعًا في فضل الله الواسع، لا اعتقادًا بلزوم ترتبه، ولا الجزم بنسبته للمصطفى صلى الله عليه وسلم.
فالعلماء يتسامحون ويتساهلون في جواز العمل به بذلك الاعتبار، بما لا يتسامحون فيه في غيره. ومن أمثلة هذه الأحاديث التي وردت في الفضائل : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر». ويعلق عليه الآلوسي بقوله : «وقد اضطرب الحديث هنا فوقع في بعض الروايات: «لا يبدأ فيه بالحمد لله»، وفي بعضها: «بحمد الله»، وفي البعض: «أجذم»، وفي أخرى: «أقطع»، وفي خبر: «كل كلام»، وفي أثر: «يبدأ»، وفي آخر: «يفتتح»، وفي موضع وضع «الذكر» بدل «الحمد»، إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع، حتى قيل: إنه مضطرب سندًا ومتنًا، ولولا أنه في فضائل الأعمال ما اغتفر فيه ذلك»(2).
قال الإمام النووي: «قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويستحب العمل في الفضائل، والترغيب، والترهيب بالحديث الضعيف، ما لم يكن موضوعًا، وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق - وغير ذلك - فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح، أو الحسن، إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك، كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع والأنكحة، فإن المستحب ينزه عنه ولكن لا يجب»(3).
وقد جاء في فتاوى الرملي إجمالا لذلك، ففيها : « (سئل) عن معنى قولهم: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، هل معناه إثبات الحكم به؟ وإذا قلتم معناه ذلك، فما الجواب عن قول ابن دقيق العيد في كلامٍ على شروط العمل بالحديث، وأن لا يلزم عليه إثبات حكمٍ ؟
(فأجاب) بأنه قد حكى النووي في عدةٍ من تصانيفه إجماع أهل الحديث على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها خاصة، وقال ابن عبد البر: أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به، وقال الحاكم: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: الخبر إذا ورد لم يُحَرِّم حلالا، ولم يُحَلِّل حرامًا، ولم يوجب حُكْمًا، وكان فيه ترغيب أو ترهيب، أغمض عنه وتسوهل في روايته.
ولفظ ابن مهدي، فيما أخرجه البيهقي في المدخل: إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال، والحرام، والأحكام شددنا في الأسانيد، وانتقدنا في الرجال، وإذا روينا في الفضائل، والثواب، والعقاب، سهَّلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال.
ولفظ الإمام أحمد في رواية الميموني عنه : الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم. وقال في رواية عياشٍ عن ابن إسحاق : رجل نكتب عنه هذه الأحاديث، يعني المغازي ونحوها، وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قومًا هكذا، وقبض أصابع يديه الأربع.
وقد علم أن كلام ابن دقيق العيد موافق لكلام الأئمة، وهو خارج بقولهم: من فضائل الأعمال، وعلم أيضا أن المراد الأعمال، وعلم أيضا أن المراد بفضائل الأعمال: الترغيب والترهيب، وفي معناها القصص ونحوها»(4).
ومما ذكر نعلم أن الفقهاء والمحدثين تساهلوا في أبواب فضائل الأعمال، والترغيب والترهيب أبواب تساهل العلماء فيها باعتماد الحديث الضعيف والعمل به، فلا ينبغي الإنكار على ما ذهب إليه جماهير العلماء من جواز العمل بالحديث الضعيف في هذه الأبواب، وإن أراد أحدهم ألا يعتمد الحديث الضعيف في هذه الأبواب، وزعم أنه يتبع بذلك بعض العلماء، فله هذا، ولكن ليس له أن يحمل الناس على أن يتبعوا ما ذهب إليه، ويعلم أن الأمر سِعَة. نسأل الله الهداية والتوفيق والسداد. والله تعالى أعلى وأعلم.
قائمة المصادر والمراجع:
------------------------
1- فتاوى الرملي: شهاب الدين أحمد الرملي - المكتبة الإسلامية - القاهرة.
2- الأذكار: النووي - دار الهدى – الرياض.
3- مقدمة ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري - مكتبة الفارابي، الأولى 1984م.
الهوامش:
---------------------
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 25.
(2) تفسير الآلوسي، 1/37.
(3) الأذكار للنووي ص 5، 6.
(4) فتاوى الرملي 4/383. المصدر: قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية.
س : سمعنا عن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، فما هو الحديث الضعيف ؟ وما المقصود بفضائل الأعمال، وماذا نعني بالعمل به ؟
الجواب:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وآله وصحبه، ومن والاه. وبعد، فقد اعتنى العلماء المسلمون بالسنة النبوية الشريفة اعتناء بالغًا، فقاموا بإنشاء علوم المصطلح، والرِّجال، وفقه الحديث أو فقه السنة.
وقد تحرَّى العلماء أعلى مستويات الدِّقَّة في نقل الأحاديث النبوية المشرَّفة، وقسَّموا ما وصل إلينا من أخبار وآثار عن المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى ثلاثة أقسام أساسية هي : الحديث الصحيح، الحديث الحسن، الحديث الضعيف.
وجعلوا شروطًا وصفات للحديث المقبول [الصحيح والحسن]، وهي : اتصال السَّند، وعدالة الرواة، وضبطهم، وعدم الشُّذوذ، وعدم العِلَّة. فإن اجتمع للحديث أعلى درجات هذه الصفات، وأعلى درجات الضبط، فكان الضَّبط كاملا، كان الحديث صحيحًا. وإن اجتمع للحديث أدنى هذه الدرجات، وكان الضَّبط أقل، كان الحديث حسنًا. أما إذا اختلَّ أحد هذه الأوصاف كان الحديث ضعيفًا.
فالحديث الضعيف في الاصطلاح هو: كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن (1).
والمقرر شرعًا أن الحديث الضعيف لا يصلح أن يكون دليلا يُنْشِئ حكمًا شرعيًّا تكليفيًّا، سواء أكان هذا الحكم، الوجوب، أم الحرمة، أم الندب، أم الكراهة، أم الإباحة.
إلا أنه يوجد باب في الشرع يُسمَّى «بفضائل الأعمال» تكلَّم العلماء على جواز العمل فيه بالحديث الضعيف، فهل يُعَدُّ ذلك تناقضًا مع ما تقرر بعدم جواز استقلال الحديث الضعيف في إنشاء الحكم التكليفي ؟
يتَّضح الأمر ببيان المقصود بفضائل الأعمال، وما المقصود بالعمل بالحديث الضعيف فيها. المقصود بفضائل الأعمال :
فضائل الأعمال هي: ما رغَّب الشرع في عمله من فضائل كالذكر، والدعاء، والمندوبات، الموافقة لأصول الشريعة.
ونعني بتعلق الحديث الضعيف بهذا الباب، أن يرد هذا الحديث وفيه ذكر لفضل عمل، وثوابه من تلك الأعمال التي ثبتت أفضيلتها من قبل ورود ذلك الحديث الضعيف. المقصود بالعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال :
ويقصد بجواز العمل بهذا الحديث في الفضائل، هو جواز أداء هذا العمل رغبةً في الثَّواب الوارد في ذلك الحديث الضعيف؛ طمعًا في فضل الله الواسع، لا اعتقادًا بلزوم ترتبه، ولا الجزم بنسبته للمصطفى صلى الله عليه وسلم.
فالعلماء يتسامحون ويتساهلون في جواز العمل به بذلك الاعتبار، بما لا يتسامحون فيه في غيره. ومن أمثلة هذه الأحاديث التي وردت في الفضائل : «كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله فهو أبتر». ويعلق عليه الآلوسي بقوله : «وقد اضطرب الحديث هنا فوقع في بعض الروايات: «لا يبدأ فيه بالحمد لله»، وفي بعضها: «بحمد الله»، وفي البعض: «أجذم»، وفي أخرى: «أقطع»، وفي خبر: «كل كلام»، وفي أثر: «يبدأ»، وفي آخر: «يفتتح»، وفي موضع وضع «الذكر» بدل «الحمد»، إلى غير ذلك مما لا يخفى على المتتبع، حتى قيل: إنه مضطرب سندًا ومتنًا، ولولا أنه في فضائل الأعمال ما اغتفر فيه ذلك»(2).
قال الإمام النووي: «قال العلماء من المحدثين والفقهاء وغيرهم : يجوز ويستحب العمل في الفضائل، والترغيب، والترهيب بالحديث الضعيف، ما لم يكن موضوعًا، وأما الأحكام كالحلال والحرام والبيع والنكاح والطلاق - وغير ذلك - فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح، أو الحسن، إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك، كما إذا ورد حديث ضعيف بكراهة بعض البيوع والأنكحة، فإن المستحب ينزه عنه ولكن لا يجب»(3).
وقد جاء في فتاوى الرملي إجمالا لذلك، ففيها : « (سئل) عن معنى قولهم: يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال، هل معناه إثبات الحكم به؟ وإذا قلتم معناه ذلك، فما الجواب عن قول ابن دقيق العيد في كلامٍ على شروط العمل بالحديث، وأن لا يلزم عليه إثبات حكمٍ ؟
(فأجاب) بأنه قد حكى النووي في عدةٍ من تصانيفه إجماع أهل الحديث على العمل بالحديث الضعيف في الفضائل ونحوها خاصة، وقال ابن عبد البر: أحاديث الفضائل لا يحتاج فيها إلى من يحتج به، وقال الحاكم: سمعت أبا زكريا العنبري يقول: الخبر إذا ورد لم يُحَرِّم حلالا، ولم يُحَلِّل حرامًا، ولم يوجب حُكْمًا، وكان فيه ترغيب أو ترهيب، أغمض عنه وتسوهل في روايته.
ولفظ ابن مهدي، فيما أخرجه البيهقي في المدخل: إذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحلال، والحرام، والأحكام شددنا في الأسانيد، وانتقدنا في الرجال، وإذا روينا في الفضائل، والثواب، والعقاب، سهَّلنا في الأسانيد، وتسامحنا في الرجال.
ولفظ الإمام أحمد في رواية الميموني عنه : الأحاديث الرقائق يحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم. وقال في رواية عياشٍ عن ابن إسحاق : رجل نكتب عنه هذه الأحاديث، يعني المغازي ونحوها، وإذا جاء الحلال والحرام أردنا قومًا هكذا، وقبض أصابع يديه الأربع.
وقد علم أن كلام ابن دقيق العيد موافق لكلام الأئمة، وهو خارج بقولهم: من فضائل الأعمال، وعلم أيضا أن المراد الأعمال، وعلم أيضا أن المراد بفضائل الأعمال: الترغيب والترهيب، وفي معناها القصص ونحوها»(4).
ومما ذكر نعلم أن الفقهاء والمحدثين تساهلوا في أبواب فضائل الأعمال، والترغيب والترهيب أبواب تساهل العلماء فيها باعتماد الحديث الضعيف والعمل به، فلا ينبغي الإنكار على ما ذهب إليه جماهير العلماء من جواز العمل بالحديث الضعيف في هذه الأبواب، وإن أراد أحدهم ألا يعتمد الحديث الضعيف في هذه الأبواب، وزعم أنه يتبع بذلك بعض العلماء، فله هذا، ولكن ليس له أن يحمل الناس على أن يتبعوا ما ذهب إليه، ويعلم أن الأمر سِعَة. نسأل الله الهداية والتوفيق والسداد. والله تعالى أعلى وأعلم.
قائمة المصادر والمراجع:
------------------------
1- فتاوى الرملي: شهاب الدين أحمد الرملي - المكتبة الإسلامية - القاهرة.
2- الأذكار: النووي - دار الهدى – الرياض.
3- مقدمة ابن الصلاح: أبو عمرو عثمان بن عبد الرحمن الشهرزوري - مكتبة الفارابي، الأولى 1984م.
الهوامش:
---------------------
(1) مقدمة ابن الصلاح ص 25.
(2) تفسير الآلوسي، 1/37.
(3) الأذكار للنووي ص 5، 6.
(4) فتاوى الرملي 4/383. المصدر: قسم الأبحاث الشرعية بدار الإفتاء المصرية.
0 komentar:
Posting Komentar